كتابة منى ثابت
ابن المرأة المسلمة هل له شرعا جنسية أمه ؟
استفسار تقول صاحبته :
“تتذرع بعض الأنظمة العربية والإسلامية المعاصرة في رفضها تجنيس أبناء مواطناتها المسلمات من أزواج مسلمين أجانب بكون الشريعة الإسلامية تنص على أن الأبناء يلحقون بآبائهم تبعا لقوله ت…عالى
) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ (
الأحزاب 5.
فما مدى صحة ما شرعته هذه الأنظمة في هذا الموضوع؟ “
وللجواب على هذا السؤال ينبغي أن نلاحظ ما يلي:
1- وجوب التمييز بين حكم النسب المنصوص عليه في الكتاب والسنة،
ويقتضي أن ينسب الابن إلى أبيه تنظيما للمجتمع ومحافظة عليه من الفوضى والتسيب،
ولحكم وعلل أخرى متعلقة بأحكام شرعية كثيرة كنظام الفرائض والمواريث والعلاقات الأسرية…
وبين قانون الجنسية وهو أمر مستحدث في مجتمع المسلمين بتأثير الغزو الاستعماري لبلادهم وهيمنته على تشريعاتهم.
وبما أن الأصل في الإسلام أن جنسية المسلم عقيدته، لا فرق بين عربي وعجمي، أبيض أو أحمر أو أسود إلا بالتقوى،
وأن كل من استقر في دار الإسلام فهو رعيته.
2- التفرقة بين أبناء البنات وأبناء الذكور في أمر الجنسية ليس له أي سند شرعي،
وهي إضافة إلى التشريع الإسلامي باطلة قال صلى الله عليه وسلم:
( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (
– البخاري ومسلم وابن ماجه وابن حنبل–
بل إن هذه التفرقة صورة صارخة للظلم الذي تعانيه المسلمة بين أهلها، وتنكر بيّن للعدل والإنصاف،
وقد قال صلى الله عليه وسلم لمن أراد أن يفضل بعض ولده على بعض في الهبة:
“أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ ” قال: لا،
قال: ” فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم “،
وفي رواية أخرى أنه لما جاء يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:
” فلا تشهدني إذا، فإني لا أشهد على جور“،
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
” اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم “، وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا:
” سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء“.
وعنه أيضا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
” من كان له أنثى فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده “
– يعني الذكور- عليها، أدخله الله تعالى الجنة.
ولقد كان رسول الله أشد رأفة ورحمة بالبنت، وفي إكرامه لبنته السيدة فاطمة رضي الله عنها أسوة حسنة، وهو القائل فيها:
” فاطمة بضعة مني، يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها ” ، كما أن فيما روى البخاري عن سعد بن أبي وقاص خير دليل على ذلك، قال سعد بن أبي وقاص:
( مرضت بمكة مرضا أشفيت منه على الموت، فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني،
فقلت: يا رسول الله إن لي مالا كثيرا، وليس يرثني إلا ابنتي، فأتصدق بثلثي مالي؟
قال: ” لا ” ،
قلت : فالشطر؟
قال: ” لا ” ،
قلت : الثلث؟
قال: ” الثلث كثير،
إنك أن تركت ولدك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس،
وإنك لن تنفق نفقة إلا أجرت عليها، حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك“ )
3- هذه الأنظمة التي تحجب الجنسية عن أبناء الإناث من أزواجهن المسلمين هي نفسها التي تمنح الجنسية لأبناء الذكور من أجنبيات غير مسلمات،
والأم غير المسلمة في أغلب الأحيان أشد تأثيرا على أبنائها من أبيهم،
مع ما يستتبع ذلك من مخاطر على ولاء الأبناء لأمتهم وأوطانهم وعقيدتهم،
وفي هذا مخالفة للشرع وظلم وتمييز غير مبرر واستهتار بأمن الأمة.
نحن لا نعترض على تجنيس الأمهات غير المسلمات إذا تزوجن من مواطنين مسلمين، فهذا حقهن،
وقد يهتدين للإسلام ويجعل الله فيهن خيرا كثيرا،
ولكننا نعترض على عدم إنصاف أبناء المسلمات المواطنات وأزواجهن من غير المواطنين في أمر التجنيس.
4- القرآن الكريم والسنة النبوية يجعلان الابن مشتركا بين الأب والأم وللأم حق زائد؛ يقول الله تعالى:
( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ (
البقرة 233
) وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ(
النساء11.
كما أن الأم أحق الناس بصحبة الأبناء، وذلك بنص الحديث النبوي،
وهذا حكم معلل بكون الأم أضعف ناصرا من الأب، وأشد حاجة إلى الرعاية، فعن أبي هريرة فيما رواه مسلم، قال:
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: ” أمك “،
قال: ثم من؟ قال: ” ثم أمك “،
قال: ثم من؟، قال: ” ثم أمك “،
قال: ثم من؟ قال: ” ثم أبوك “.
5- وحرمان الأبناء من جنسية أمهاتهم حيف وإضرار بالأمهات،
والضرر يزال كما ورد في القاعدة الفقهية،
يؤكد ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم
( لا ضرر ولا ضرار(
– المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري، وابن ماجه والدارقطني–،
لأن الأبناء عند بلوغهم سن الرشد غالبا ما يضطرون بسبب القوانين الجائرة المعمول بها في أوطان المسلمين حاليا،
إلى مغادرة وطن الأم والابتعاد عن أمهاتهم في حال مفارقتهن الآباء بموت أو طلاق.
واحتفاظهم بجنسية أبيهم وأمهم يتيح لهم رعاية آبائهم وأمهاتهم،
وصلة أرحامهم من جهة الآباء والأمهات بالسوية والعدل، كما أنه رمز لبقاء وحدة المسلمين.
6- قوانين الجنسية في أوطان المسلمين غربية الوضع والاستنساخ، استعمارية المنشأ والمصدر؛ ماكرة الهدف والمقصد والغاية، ففي الوقت الذي منعت الأبناء من حمل جنسية أمهاتهم المسلمات من أزواجهن المسلمين، مهدت قوانين الجنسية في الدول الغربية كل السبل لاندماج المسلمين والمسلمات الأجانب وذوبانهم في المجتمعات غير المسلمة، بواسطة الزواج المختلط ومنح الآباء والأمهات وأبنائهم الجنسية الغربية، وفي هذا من المخاطر على الأمة، والاستهانة بعقول قياداتها السياسية ما لا يخفى على بصير.
7- ونختتم هذا الموضوع بحديث نبوي صحيح يحسم الحكم في هذه القضية، ولا يترك مجالا لتبرير هذه القوانين الجائرة، فقد أخرج النسائي في سننه قال:
( أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال حدثنا وكيع، قال حدثنا شعبة، قال: قلت لأبي إياس معاوية بن قرة:
أسمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
” ابن أخت القوم من أنفسهم؟ “،
قال: نعم،
أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال أنبأنا وكيع،
قال حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
” ابن أخت القوم منهم “)
( صحيح البخاري وسنن النسائي وأبي داوود والترمذي(
وقد استدل بهذا الحديث من يورث ذوي الأرحام،
ورد عليهم الجمهور بأن معناه أن بين القوم وبين ابن أختهم ارتباطا وقرابة،
وأنه بمثابة الواحد منهم في حفظ أسرارهم والتضامن معهم في المدافعة والنصرة.
وبهذا يتبين أن حق ابن الأخت مساو لحق ابن الأخ، وأن حرمانه من جنسية أمه ظلم كبير وذريعة إلى فساد أكبر،
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
جزاكم الله الف خير
كلام طيب …