رسالة قصيرة، لكنها تحمل في ثناياها دلالات بالغة الأهمية. الرسالة مكتوبة بيد امرأة مواطنة موقعة باسم (أم عبدالله سهل)، تقول إنها تزوجت رجلا غير سعودي وأنجبت منه ابنا عمره الآن 24 عاما، وبعد أن طلقت تولت تربية ابنها وحرصت أن توفر له التعليم والرعاية كي يصبح عضوا فاعلا في المجتمع.
عندما بلغ الابن الثامنة عشرة، وهي السن التي عند بلوغها يخول له النظام حق التقدم بطلب الحصول على الجنسية السعودية التي تنتمي إليها والدته، تقدم بالطلب واجتهد في أن يستكمل جميع المتطلبات للحصول على الجنسية بما في ذلك تقديم تنازل منه عن جنسيته التي اكتسبها عن طريق والده، مختوما من جميع الجهات الرسمية في بلد الوالد. ولكن منذ ذلك الحين وإلى الآن لم يعط الجنسية السعودية. تقول صاحبة الرسالة أم هذا الشاب إنها ترغب في أن تبعث ابنها لاستكمال دراسته في الخارج، لكن موضوع الكفالة يعوقها، فالنظام يطلب أن تنقل كفالة الابن على جهة عمل، وجهة العمل متى نقلت الكفالة إليها لن تسمح له بالسفر.
هذه المرأة متقاعدة بعد أن قضت سنوات عمرها تعمل في خدمة بلادها، وابنها هذا هو وحيدها الذي يمثل محرما لها وراعيا لأمرها، لكنه الآن بعد أن طلب منه أن يتنازل عن جنسيته أصبح بلا هوية وصار متعذرا عليه إثبات شرعية بقائه أو حتى انتمائه إلى أمه. وقد مرت بتجربة واقعية أثبتت لها تعذر ذلك، فعندما سافرت وإياه إلى إحدى مدن المملكة لإنهاء بعض الإجراءات طلب منهم مسؤول الفندق إثبات صلة القرابة بينهما، فأسقط في أيديهما، حيث لا وثيقة لديهما تثبت الصلة بينهما.
ابنها الآن تراوده فكرة الهجرة، وهي تكره ذلك فهي لا تريد أن تغادر الوطن، كما أنها لاتريد أن تفارق ابنها الوحيد، وفي الوقت نفسه يخفق قلبها رعبا على مصير ابنها الذي يقيم معها الآن (بدون) هوية، بعد أن تنازل عن جنسيته ولم يبت في طلبه التجنس بجنسية أمه.
إني هنا لا أطرح مشكلة هذه المرأة لإيجاد حل خاص بها وحدها، وإنما أطرحها لأنها نموذج لحالات كثيرة غيرها، هناك أعداد غير قليلة من المواطنات المقترنات برجال غير مواطنين ولديهن أولاد منهم، ولكن لايحصل جميع أولئك الأولاد على الجنسية بمجرد بلوغ الثامنة عشرة، فالنظام يخول الأبناء منهم فقط، الحق بطلب التجنس وإن كان لا يضمن لهم تحقق ذلك، أما البنات فلا أمل لهن مطلقا في التجنس ما لم يتزوجن من سعوديين!!
إن هذا يحز في نفوس أمهاتهم المواطنات، فمن أجل الأم المواطنة، ومن أجل ألا يكون النظام سببا في التفريق بين الأم وأولادها، (وكل من له فلذة كبد يعرف مدى الألم الذي تشعر به الأم متى وقع التفريق بينها وبينهم)، لابد من إعادة النظر في وضع أولاد المرأة السعودية من رجل غير سعودي، فإن لم يكن ممكنا إعطاؤهم الجنسية مثلهم مثل أبناء (أخيها) المتزوج من امرأة غير سعودية، فلا أقل من أن تصرف لهم بطاقات تعريفية خاصة بأمثالهم تميزهم عن غيرهم من الأجانب فتعطيهم الحق في الإقامة الدائمة مجانا من غير رسوم، والحق في الحصول على جميع الامتيازات التي يحصل عليها المواطن في التعليم والعمل والعلاج والتعقيب والمراجعة في الدوائر الحكومية.