لقد كرّم الإسلام الأم تكريمًا خصّها به دون الأب لعظم مهمتها، ولما تتحمّله من آلام ومشاق أثناء الحمل والولادة قد تودي بحياتها، يقول تعالى في الآية (14) من سورة لقمان (ووصَّينا الإنسانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلْتْه أُمُّهُ وَهْنَاً على وهْنٍ وفِصَالُهُ في عَامَيْنِ أنِ أشكُرْ لي ولِوَالِدْيك).
وننتقل إلى صورة أخرى للأمومة تزيد المعنى وضوحاً يقول جل شأنه في الآية (15) من سورة الأحقاف (ووصينا الإنسانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حملتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً ووضَعَتْهُ كُرْهاً).
وهكذا نرى القرآن يعتبر احتمال الكره في آلام الحمل والوضع جهاداً، وقد أكد هذا المعنى النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث؛ إذ بشَّر الأم إذا لقيت ربَّها في حملها أو وضعها بثواب من احتملوا كره الجهاد، وهم الشهداء، فلقد روى مالك بن أنس والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الشهداء خمسة، وذكر من بينهم المرأة توفت بجمع، أي ماتت وهي تجمع ولدها في رحمها، كما روى أحمد بن حنبل والطبراني عن عبادة بن الصَّامت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث طويل: (… وفي النساء يقتلها ولدها جمعاً شهادة) كما روى أحمد بن حنبل، وبإسناد حسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال في حديث طويل: (.. والنفساء يجرها ولدها بسّره إلى الجنة).
ولنتأمل هذه الصورة للجنين، وهو يجر أمه إلى الجنة بروابط جسمه إلى جسمها، وكأنه شاهد للحادث على استشهادها أثناء ولادتها إياه، ومعروف في المنطق البياني للغة أنَّ مثل هذا الحرص في التعبير على مثل هذا التصوير إنَّما هو الترسيخ والتأكيد للصورة، كما روى النسائي عن عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (النفساء في سبيل الله شهيد).
فأي تكريم هذا للأم؛ إذ جعل موتها أثناء الحمل والولادة شهادة فتستعذب الألم في بسالة المجاهدين، وتُواجه الخطر بابتسامة الشهداء، وهي تعاني أهوال الحمل وآلام الولادة.
ولم يكتف الإسلام بهذا، بل اعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم الأم أحق النَّاس بالصحبة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك»، قال ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثمَّ من؟ قال «أمك» قال: ثمَّ من؟ قال: «أبوك»).
ولم يجعل الأم أحق الناس بالصحبة فقط، بل جعل الجنة تحت قدميها، وفضَّل خدمتها على الجهاد في سبيل الله، فعن طلحة السلمي رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إنِّي أريد الجهاد في سبيل الله، قال: أمك حية؟ فقلت: نعم، قال: «الزم رجلها فثمَّ الجنة» رواه الطبراني.
من تكريم الإسلام للمرأة نسبة ولدها المعلوم الأب إليها، ولم يستنكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، من ذلك:
– «ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد. [رواه مسلم]
– فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انتقلي إلى ابن أم مكتوم». [رواه مسلم]
-…. عن عبدالله بن مالك بن بحينه رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى فرّج بين يديه. [رواه البخاري ومسلم]
وقال ابن دقيق العبد: «عبد الله بن مالك بن بحينة. وبحينة أمه، وأبوه مالك بن القشب، وهو أحد من نسب إلى أمه.
وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم: حدّثنا إسماعيل يعني ابن علية، وعلية هي أم إسماعيل، وأبوه إبراهيم بن سهم الأسدي.. قال شعبة: «إسماعيل بن علية ريحانة الفقهاء وسيد المحدثين».
هذه باختصار شديد مكانة الأم في الإسلام، وباعتبار بلادنا مهد الإسلام ومهبط الوحي، دستورها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وأخذت على عاتقها تطبيق شرع الله، فإننا نأمل بمزيد من التكريم للأم بإعطائها حق منح جنسيتها لأولادها من زوج أجنبي، فدعوى «حق الدم المطلق للأب» والتي تعطيه الحق في منح جنسيته لأولاده من زوجة أجنبية فور ولادتهم في أي مكان ولدوا بدون أية شروط أو نقاط، ولا يتم ذلك للأم بدعوى ما يُسمَّى «حق الدم المقيد للأم» نقول إن تلك الدعوى تدحضها أدلة شرعية، وهذا ما سأبحثه في الحلقة القادمة إن شاء الله.
للحديث صلة.