إنَّ الجنسية رابطة قانونية وسياسية بين الفرد والدولة، وهي حق من حقوق المواطنة لكل من ينتمي إلى الوطن ذكرًا كان أو أنثى، رجلًا كان أو امرأة، وهو مفهوم حديث وجد مع نشأة الدولة الحديثة في القرن التاسع عشر، ولا مبررات لحرمان الأم التي جعل الإسلام الجنة تحت قدميها، وجعلها أحق الناس بالصحبة من هذا الحق، ولو ناقشنا الأمر من الناحية الشرعية، نجد:
أولًا: الإسلام لا يفرق بين جنس أو عنصر أو لون، ولا يعرف الجنسية، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من أتاكم ترضون دينه وخلقه فزوجوه، وإلاَّ تكن فتنة وفساد كبير»، وقد زوَّج الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف أخته لسيدنا بلال الحبشي -رضي الله عنه، فمفهوم الجنسية ظل منعدمًا بين الدول الإسلامية، ولدى الفقهاء فيها، وفكرة الجنسية لم تظهر في الدول الإسلامية إلاَّ في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وذلك تحت تأثير عدة عوامل داخلية وخارجية، فقواعد الشريعة الإسلامية خالية من أي حكم خاص بالجنسية في مختلف الأصقاع التي وصل إليها الإسلام، ولم يكن الفقهاء المسلمون يميزون بين الأفراد بناءً على رابطة الجنسية، بل كانوا ينطلقون من تصور آخر يتمثل في تقسيم العالم إلى قسمين دار الإسلام، ودار الحرب، وكان المسلم يتنقل من بلد إسلامي إلى آخر، وهو يحمل هوية واحدة هي هوية الإسلام، وتطبق عليه من جراء ذلك قواعد الشريعة الإسلامية، وهي معيار التمييز الوحيد لدى الفقه في العالم الإسلامي بين المسلم وغير المسلم.
ثانيًا: إقرار الرسول عليه الصلاة والسلام نسبة بعض الصحابة لأمهاتهم يُسقط مصطلح «حق الدم المقيد للأم»، والذي يتم بموجبه منع الأم من حق منح جنسيتها لأولادها من زوجها الأجنبي.
إنّ اعتماد نظام الجنسية السعودي طريقة «دم الأب» كأساس لمنح الجنسية، والذي أكد عليه في تعديلاته الأخيرة بمنح ست نقاط من سبع إن كان والد الأم وجدها لأبيها سعوديين، أمر استحدثه الغرب، مع استحداثه نظام الجنسية؛ ومع أنّ الغرب تحرّر من ذاك التقييد لاعتباره تمييزًا ضد المرأة، فاعتبر «الدم» بصورة عامة سواءً كان دم الأب، أو الأم ضمانًا للولاء والانتماء، فمنحت الجنسية لأولاد المواطنة المتزوجة من أجنبي، بعدما أصبحت المساواة بين الرجل والمرأة من المبادئ المثالية التي ينبغي مراعاتها بعد تكرار النص عليه في المواثيق الدولية والدساتير الوطنية، فنص قانون الجنسية الهولندي لسنة 1985 مادة 3 فقرة 1 على «يكون هولنديًا الولد الذي يكون أبوه أو أمه هولنديين لحظة الميلاد»، وفي إيطاليا طرح الأمر على المحكمة الدستورية العليا الإيطالية التي قضت في حكم هام بتاريخ 9/2/1983 بعدم المساواة بين الجنسية المنصوص عليه في الدستور الإيطالي. ولكن المشرع الإيطالي عدّل قانون الجنسية ليسوي بين دور الأب ودور الأم في نقل الجنسية للمولود وذلك بالنص على أنّه: «يعد إيطاليًا من ولد لأب إيطالي أو لأم إيطالية». وبالمثل فعل المشرع الفرنسي إثر تعديل سنة 1973 وتشريع الجنسية البلجيكي الصادر سنة 1984 والتشريع الألماني سنة 1979 (12).
وكذلك في دول آسيوية مثل تشريع الجنسية التركية الذي عدل سنة 1981 ونص على أنّه: «يعتبر تركيًا من ولد لأب أو لأم تركية بالداخل أو بالخارج» دون أن يُفرِّق بين الأب والأم.
– كذلك تشريع الجنسية الصيني سنة 1980 قضت المادة 44 منه بأنّه «يعتبر صينيًا كل من ولد بالصين لأب أو لأم صينية».- كما قضت المادة الخامسة منه بأّنه: «يعتبر صينيًا كل من ولد بالخارج لأم صينية بشرط عدم دخوله في جنسية الدولة التي ولد بإقليمها»، وقانون الجنسية الياباني 1985 مادة 2 فقرة 1 تنص على «تثبت للطفل الجنسية اليابانية إذا كان أبوه أو أمه يابانيًا لحظة مولده.»
ولو ألقينا نظرة على بعض تشريعات دول أمريكا اللاتينية ذات الظروف السكانية والاقتصادية المتشابهة مع ظروف معظم البلاد العربية كالتشريع المكسيكي، لرأينا أنّ المشرّع نص في المادة 30/1 من الدستور الصادر سنة 1969 على أنّه: «يعتبر مكسيكيًا كل من ولد لأب أو لأم مكسيكية».
وهناك تشريعات بعض الدول الإفريقية منها ما أدخل تعديلات جذرية ليعطي الأم دورًا مماثلًا لدور الأب في نقل الجنسية للمولود، من ذلك التشريع جنسية دولة زائير الذي عدل عام 1981 ونص في مادته الخامسة على أنّ جنسية زائير تثبت فور الميلاد لكل من ولد لأب زائيري أو لأم زائيرية دون تفرقة.
للحديث صلة.