عبد الغفار حسين
لو سألنا ما الفرق بين ابن المواطن وابن المواطنة وبنت المواطنة، لو وجهنا هذا السؤال لأي واحد، لتلكأ في الجواب، الجواب المبني على المعقولية وعلى الموضوعية التي تقنع الإنسان الذي يفكر بعقله لا بعواطفه، فنحن الآن أمام مشكلة، وهذه المشكلة تتفاقم تفاقماً كبيراً، وتعمل لها جذوراً، يصبح البحث عن هذه الجذور واستئصالها مع مرور الوقت أمراً بالغ الصعوبة .
إن عدد أبناء المواطنات اللاتي تزوجن من غير المواطنين يزداد ويتكاثر، وهم بجانب من لا يملكون وثائق ثبوتية، وأعني منهم القدامى، وليس الجدد . ولو ضممنا أولئك على هؤلاء، فإن العدد يبلغ العشرات من الألوف في مجتمع فيه المواطنون أقلية، وهذه القلة تدعو إلى التفكير الجدي في الإكثار من عدد المواطنين لعمل شيء من التوازن، وأقرب الحلول إلى الإكثار من المواطنة الصحيحة، هم أبناء المواطنة وعيالها، والقدامى ممن لا يحملون وثائق ثبوتية وعيالهم .
والذي أعنيه بالمواطنة الصحيحة هو أن هؤلاء، أولاد المواطنة ومن لا يملكون وثائق، نشأوا على أرض الإمارات نشأة لا تختلف عن نشأة ابن المواطن الأصلي، ومشاعرهم وأحاسيسهم التي هي عامل مهم في سلوك المواطن، هي إماراتية قلباً وقالباً، كما أن هؤلاء تربوا في بيئة إماراتية وتغذوا من درّ إماراتي الهوية والجذور، ولا يعرفون بلداً أو بيئة ينتمون إليها غير هذا البلد الذي فتحوا أعينهم على معالمه، سواء بالولادة أو بالمكوث الطويل الذي يجعل الإنسان ملتصقاً التصاقاً قوياً بمحيطه، إلا إذا كان هذا الإنسان شاذاً يعيش في اغتراب وفي اضطراب نفسي .
وقد سالت مرة إنجليزياً أعرفه من خمسين سنة، وهو موجودٌ منذ أواخر الأربعينات من القرن الماضي، وكان يشغل منصباً في إحدى شركات البواخر المعروفة، وتقاعد من وظيفته، ولكنه لم يستطيع أن يترك دبي ويعود إلى وطنه الأصلي، رأيت المستر جابمان، (وهذا هو اسمه)، بعد سنين، فسألته أين أنت؟ حسبتك تركت دبي . . . قال: أين تريدني أن أذهب؟ . . . دبي، والإمارات وطني . . . وقد عشت ما يقارب ستين عاماً على أرضها، وقد نسيت كل شيء عن موطني الأصلي، وحياتي كلها ذكريات جميلة في هذه البلاد، وأنت تعرف أن كل الناس في دبي والمخضرمين منهم خاصة يعرفونني وأعرفهم، وأنت أحد هؤلاء . الكلام كله للمستر جابمان، المواطن الذي لا يقل في شعوره وأحاسيسه الوطنية عن أي واحد منا . . . وكان حواري مع جابمان فيضاً من المشاعر والأحاديث والذكريات الجميلة عن الإمارات .
ماذا عسانا أن نقول لجابمان، ولأمثاله من الناس الطيبين، ألا يستحق هؤلاء أن نقيم لهم حفلات ونضع شهادة الجنسية في صينية من الفضة ونقدمها لهم كما تفعل دول متقدمة كأستراليا ونيوزلندا وبلجيكا مثلاً؟ ألسنا بذلك نخلق أمام العالم المتمدين منظراً حضارياً، تسرُّ له العيون؟
إذا كان من الواجب أن نفعل هذا مع أناس من أمثال جابمان، ألا نفعله أيضاً مع من عاشوا وولدوا على هذه الأرض، وهم نبتة غرست في الأرض فترعرعت وأتت أُكلها الطيب .
إن كل دول العالم تضع خططاً منظمة للتجنيس حسب ظروفها وما يلائمها، وليس هناك كما أعتقد بلداً توصد أبوابها أمام التجنيس المنظم، والإمارات إحدى هذه البلدان التي تمشي في هذه الطريق ولكن بشكل غير واضح المعالم . ويخطئ من يطالب أن تفتح الأبواب على مصاريعها من دون حذر دقيق، ولكن في نفس الوقت يكون ضرر غلق الأبواب أكبر من نفعه، وقد يدفع بفئة كبيرة ممن توصد في وجوههم الأبواب من دون أسباب جوهرية إلى اليأس، ومن ييأس من دون أن يجد من يعتني بعلاجه، فقد ينقلب إلى عنصر غير صالح، أو عنصر ضار . . . ونسأل الله أن يبعد عن بلادنا الضر والسوء