حين ردد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله حفظه الله عبارته الخالدة التي عبر فيها عن رفضه تهميش المرأة، وقعت تلك العبارة بردا وسلاما في صدور النساء، فقد عشن زمنا طويلا وهن يتنفسن على هامش الحياة، لايجدن من يذكرهن فضلا عن أن يلتفت إليهن ليعينهن على رفع التهميش عنهن. وتهميش المرأة ليس محصورا فقط في عزلها عن المشاركة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وإنما هو يظهر في صور أشد من ذلك كحرمانها من حقوقها الإنسانية بل والشرعية في بعض الأحيان.
من أقسى صور تهميش المرأة، عدم الاعتراف بحقها في استشارتها فيما يخص أطفالها من شؤون مثلما أن ذلك حق لأبيهم، فالأطفال رغم أن نصفهم ينتمي للأم والآخر للأب، إلا أن الأنظمة المعمول بها حاليا تتجاهل تلك الحقيقة فتنكر حق الأم في رعاية مصالح أطفالها وتترك حرية التصرف فيهم كاملة للأب كما لو أنهم أولاده وحده فقط. فالأم لا وجود لاسمها في بطاقات هوية أولادها ولا في جوازات سفرهم. وبإمكان الأب أن يسافر بهم إلى أي مكان أراد من غير أخذ موافقتها، وبإمكانه تزويج بناته منها دون علمها أو رغم إرادتها. فالأنظمة المتبعة تجعل العلاقة بين الأم وأولادها تنتهي بمجرد خروجهم من رحمها، حيث يتحول دورها إلى مجرد مرضعة وحاضنة (لأولاد) الرجل الذي أنجبتهم منه.
حين تكون العلاقة طيبة بين الأبوين، سواء كانا يعيشان معا أو منفصلين عن بعضهما، لا تظهر المشكلات ومن ثم لا يحس أحد بأذى التهميش الواقع على الأمهات، ولكن متى وقع النزاع بين الأبوين فسرعان ما يتبدى الضرر الواقع على الأم، حيث يستغل الأب صلاحياته في التصرف بمصير أولاده فيقرر منفردا ما يشاء بشأنهم بصرف النظر عن رأي أمهم.
ومن المشكلات التي تقع نتيجة لتفرد الأب في اتخاذ القرارات الخاصة بأولاده، تمكين الأب من خطف الأولاد متى كانوا في حضانة أمهم والسفر بهم من غير علمها إلى مكان لا تدري أين هو. وكذلك تمكينه من تزويج بناته وفق رغبته الخاصة رغما عنهن أو في سن الطفولة قبل أن يدركن معنى الزواج، دون علم أمهن أو موافقتها، فالأم نظاما ليست مطلوبة موافقتها على سفر أطفالها ولا على زواج بناتها، وهو ما تسبب في تعرض بعض الأمهات للأذى بخطف أطفالهن، وتسبب في إيذاء البنات بتزويجهن قبل سن الرشد أو رغما عنهن وعن أمهاتهن.
غني عن القول إن الأصل أن الأب حريص على مصلحة أولاده وأمين عليها، ولكنه ليس حريصا على حق أمهم في ألا يحرمها منهم بالسفر بهم بعيدا عنها، كما أن إطلاق يد الأب في أمر تزويج ابنته نابع من الثقة في أنه لن ينشد سوى ما يرى أنه سبب في سعادتها، غير أن الواقع يبرهن أن هناك من الآباء من هم على غير ذلك، وقد أثبت الواقع وجود حالات كثيرة ظلمت فيها الفتيات بإرغامهن على زواج غير متكافىء أو زواج مبكر قبل سن النضج، مما يؤكد أن إطلاق يد الأب في تزويج بناته ليس دائما في صالح البنات.
إن من حق الأمهات أن تطلب نظاما موافقتهن الخطية على سفر أولادهن وزواج بناتهن، تماما كما أن ذلك حق محفوظ للأب.