أواصل قراءتي للنظام الموحد لدول مجلس التعاون ،وقد تحدثتُ في الحلقتيْن السابقتيْن عن التناقضات ،ومخالفته لنصوص قرآنية وحديثية ولبعض أنظمة دول المجلس ،وفي هذه الحلقة سأتحدث عن مواطن القصور التي تتلخص في الآتي :
1. تعرضه في المادة (19) إلى تعريف الكفاءة ،مكتفياً بقوله الكفاءة خاصة بالمرأة والولي ،وكأنَّه مباح للرجل أن يتزوج بمن شاء، وشرط الكفاءة موقوف على المرأة فقط ، وكأنّه يقر ضمنياً بالكفاءة القبلية ،بل أنَّه لم يحدد الكفاءة بالدين والخُلق، وقضايا العضل أغلبها يقوم على الإصرار والتمسك بزواج الفتاة من قبيلتها، كما لم يتطرق النظام إلى ملكية المرأة لراتبها إن كانت موظفة ، وهو من حقها، وليس من حق وليها الاستيلاء على راتبها، وحرمانها من حق الزواج للاستيلاء على راتبها، وبطبيعة الحال كما لم يتطرق النظام إلى الإجراء الذي يتبع في حال مماطلة القاضي تزويج الفتاة المعضولة ،أو امتناعه عن تزويجها، كما لم يتطرق إلى معاقبة العاضل.
2.لم يتطرق إلى تعليق الزوجة وهجرها ،وإنَّما تطرق في المادة (109) إلى حق الزوجة طلب الطلاق في حال غياب وفقدان الزوج المعروف موطنه ، أو محل إقامته، ولو كان له مال يمكن استيفاء النفقة منه، ولا يحكم لها بذلك إلا بعد إنذاره: إما بالإقامة مع زوجته، أو نقلها إليه، أو طلاقها، على أن يمهل لأجل لا يقل عن أربعة أشهر، ولا يتجاوز سنة ،لماذا سنة ؟ من أين أتى بها مُعدو النظام ؟ فإن كان سيدنا عمر حدَّد المدة التي يغيب فيها الزوج عن زوجه أربعة أشهر ،والمذهب الحنبلي حددها بستة أشهر ، وإن كان معدو النظام لم يُراعوا أنَّ المرأة إنسان لها رغبات، فإن كانت غير موظفة ،ولا دخل لها كيف تعيش هي وأولادها ؟ من ينفق عليها، وهي لا تستطيع العمل إلاَّ بإذن الزوج، ولا يُصرف لها راتب من الضمان الاجتماعي وهي في ذمته؟
3. لم يتطرق إلى سن الحضانة للذكر والأنثى إذا كانت الأم على ديانة أبي المحضون،إلاَّ أنَّنا نجده في المادة (127) يشير إلى سن الحضانة في حالة كون الحاضنة على غير دين أبي المحضون،وذلك بسقوط حضانتها ببلوغ المحضون السنة السابعة من عمره إلا إذا قدر القاضي خلاف ذلك لمصلحة المحضون، والغريب أنَّ من المعمول به في محاكمنا الآن إسقاط حضانة الأم المسلمة ببلوغ المحضون الذكر سبع سنوات ، والأنثى تسع سنوات، وكنا نأمل أن لا يسقط معدو هذا النظام حق الأم في الحضانة بالزواج أخذاً بإعطاء الرسول صلى الله عليه وسلم الحضانة لخالة ابنة عمه حمزة بعد استشهاده، وهي متزوجة ،ومساواة بالأب الذي لم تسقط حضانته بالزواج، وكنا نأمل أن يأخذ معدو هذا النظام بالمذهب المالكي في جعل حضانة الأم للبنت إلى أن تتزوج ،وللولد إلى أن يبلغ ، ،وأرى أن يكون هذا في حال زواج الأم ، أمَّا إذا لم تتزوج فيبقى الولد مع أمه لأنَّها في حاجة إلى وجوده معها لرعايتها ، فليس من إنصاف المرأة أن تبقى بلا زواج ،ويُنزع منها ابنها إن كبر، وتظل وحيدة بلا زوج ولا ولد، وممَّا يجدر ذكره أنَّ مشروع قانون الأحوال الشخصية الكويتي في المادة 145 ينص على (تنتهي حضانة النساء بالنسبة للغلام بالبلوغ وبالنسبة للأنثى بزواجها ودخول الزوج بها).
4.لم يُجرِّم العنف الأسري بكل أشكاله وأنواعه، بأن يتعرض للعقاب تعزيراً كل من يمارس أي نوع من أنواع العنف، أو عضل، أو إكراه على الزواج ، أو حرمان من الميراث، أو من الراتب، أو من التعليم، أو تحرش أو اغتصاب أو…إلخ.
5.لم يعطِ المرأة حق تطليقها من القاضي إن كان زوجها مدمناً للمخدرات أو المسكرات ،واستمرار حياتها معه خطر على حياتها .
6.لم يحدد سن الرشد كحد أدنى لزواج الفتى والفتاة، وهو سن 18 سنة ، ليكون الزوجان مؤهلين، وهو السن الذي يمكن الفتاة من تحمل العلاقة الزوجية والحمل والولادة .
7.لم يتضمن وجوب الكشف الطبي للتأكد من خلو المقدميْن على الزواج من الأمراض الوراثية ،والأمراض المعدية عن طريق المعاشرة الزوجية كالإيدز والتهاب الكبد الوبائي.
8.لم يتضمن إسقاط اسم الزوجة من دفتر العائلة فور تطليقها طلاقاً بائناً.
9.لم يعط الفتاة البالغة الرشيدة المعضولة حق تزويج نفسها إن امتنع وليها القاضي من تزويجها أخذاً بالمذهب الحنفي، وكذلك إعطاء أم الفتاة، أو عمتها أو خالتها،أو أختها الكبرى حق تزويجها، فالسيدة عائشة رضي الله عنها زوجت ابنة أخيها عبد الرحمن عندما كان في الشام.
10.لم يمنع تنازل الأم عن حضانة الأولاد في حالات الخلع والتي تشكل أكثر من ثلث حالات الطلاق لأنّ المحاكم لا توقع الطلاق بناء على طلب الزوجة ولو كان لعذر شرعي وإنّما أغلب قضايا الطلاق المرفوعة من الزوجة تنهيها المحاكم خلعاً.
11. لم يشر إلى استخدام الحمض النووي كبينة لإثبات النسب ،والتي تماثل القيافة في عصر النبوة التي كانت إحدى وسائل إثباته،كما لم يتطرق إلى استخدام الحمض النووي في إثبات نسب طفل اللعان ،أو نفيه، لتنفيذ حد اللعان على الكاذب.
وبعد هذا القصور في هذا النظام الذي تجاوز كل هذه النقاط وفصَّل في زواج المعتوه والمجنون والصغير والسفيه معتبراً الزواج لإشباع الغريزة الجنسية، ولم يفكر معدوه في أثر هذا الزواج على صحة النسل وتربيته، فهل يريدون الجنون والتخلف للأجيال القادمة؟ وكم نتمنى ألا يكون نظام الأحوال الشخصية الذي نترقب صدوره في المملكة على شاكلة هذا النظام .