كتب المقال سارة المكيمي
هناك لبس كبير ومغالطة شائعة بين النَسب والمواطَنة! ما زال البعض يعتقد أن الجنسية مرتبطة بالنسب، وبالتالي فإن جنسية الابن بالضرورة تابعة لوالده، وهذا مفهوم غير صحيح إطلاقا! فالنسب هو النسبة إلى الشيء، أي انتسب فلانٌ إلى والدهِ، بمعنى التحق بهِ، وأيضاً: القرابة والصلة بين شيئين، أو فردين، ويعرف اصطلاحاً، بأنه: الارتباط بالوالدين، والذي يعتمد على وجود اسم للفرد، يربطه بوالدهِ، ووالدتهِ، ويتصل مع أصوله من العائلة.
ينتسب الفرد الى والدته ووالده، وهو امتداد لهما بالتساوي جينيا، وتسري في جسده دمائهما ويعتبر ابنهما البيولوجي منذ الولادة، ففي الدول العربية يُنسب اسم الولد لأبيه ويأخذ عائلته، لكن امتداده التاريخي والإرثي ينبع من جانبي الأم والأب بالتساوي. نسب الفرد باق لوالديه مهما كبر وتغيّر ورحل وأقام وعمل وغيّر وظيفته أو دينه أو شخصيته حتى لو غيّر جنسه يبقى ابن أمه وأبيه، ويبقى دمه وامتداده وإرثه مستقى منهما.
أما الجنسية فهي علاقة قانونية بين الفرد والدولة يترتب عليها حقوق تعطيها الدولة للفرد والتزامات من هذا الفرد للدولة، تُمنح جنسيات الدول بعدة طرق مثل حق الدم من الأبوين الى الأبناء، حق الأرض وهي الولادة على أرض وطن ما، حق المكوث وهو استمرارية العيش في وطن ما، حق التزاوج كأن يمنح الزوج جنسيته لزوجته والعكس، والتجنيس وفقا لما قدمه فرد ما من خدمات كبيرة وأعمال جليلة لوطن استفاد وانتفع منها، وبالطبع هناك اللجوء ومن ثم التجنيس.
من يأخذ جنسية وطن لا يفقد نسبه لوالده ولا يتغير اسمه، هو فقط انتمى قانونيا لدولة أخرى وأصبح من مواطنيها، والمواطَنة هي صفة الفرد الذي يتمتع بعضوية بلد ما، ويستحق بذلك ما يترتب على تلك العضوية من امتيازات، والالتزامات التي تفرضها عليه؛ أو قد تعني مشاركة الفرد في أمور وطن ما، وما يشعره بالانتماء إليه.
ليس هناك قانون في العالم أجمع يمنع أي فرد كان من الحصول على جنسية بلد آخر، كما أنه ليس هناك قانون يحصر أي فرد كان في جنسية بلد محدد، وللإنسان حق الاختيار بما تقتضيه قوانين البلد الذي يرغب في الانتماء له والتجنس بعضويته.
حق الانتماء وتغيير الانتماء “العضوية-الجنسية” مكفول في الدساتير العالمية ومواثيق حقوق الإنسان، وليس هناك علاقة بين تبعية الأبناء القانونية لوالدهم وبين حصولهم على جنسية أخرى بديلة! فإن حصل طفل كويتي على الجنسية الأميركية لأنه مولود على الأراضي الأميركية فهذا لا يغير من اسمه أو نسبه لأمه وأبيه، بل يكون الابن أميركياً والأبوان كويتيين! كذلك زوجة المواطن الكويتي الهندية التي تحصل على الجنسية الكويتية لا يتغير اسمها أو نسبها لوالديها الهنديين!
في بداية نهضة الكويت في الخمسينيات والستينيات تم منح الجنسية الكويتية للعديد من الأطباء والمهندسين والمعلمين الذين ساهموا في بناء البلد ونهضته إكراما لهم لأعمالهم الجليلة للبلاد، وأبقى هؤلاء على أسمائهم، ونسبهم لوالديهم مازال قائما في حين نسلهم كويتي وأجدادهم غير كويتيين.
الجنسية في النهاية ليس لها ارتباط بالأب وحده، ولأن القانون الكويتي يقصر تمريرها على الأب فذلك لا يجعلها قانونا صحيحا على الإطلاق، فهناك 25 دولة في العالم فقط لا تسمح للمرأة بتمرير جنسيتها لأبنائها، والكويت للأسف واحدة من الدول المتشددة بقوانين تمرير جنسية الأم لأبنائها.
يعتبر هذا المركز للكويت مؤشرا سلبيا على كل ما يتعلق بحقوق المواطَنة التي تمتلك عضوية مساوية ومطابقة لعضوية الرجل في هذا البلد، ولكنها لا تحظى بامتيازاته ولا حقوقه نفسها، كما أنه مؤشر سلبي فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان لما يترتب على هذا التمييز من تفشي ظاهرة البدون، لأن أبناء الكويتية من بدون يبقون بدونا طول عمرهم وعلى امتداد أجيالهم، أبناء الرجل من امرأة بدون لا يعانون المشكلة نفسها، ناهيك عن منع المرأة الكويتية بقوة القانون غير المنصف من العيش بكرامة وأمان في بلادها! لأن أبناءها أجانب لا ينتمون طوال حياتها وحياتهم، مما يترتب عليه عدم استقرار أسرتها، وتفريق وتشريد عائلتها، وعدم حصولهم على مميزات بلادها وغيرها من الانتهاكات. المساواة هي المسطرة المستقيمة بنظر القانون للمرأة والرجل على حد سواء مع عدم التمييز بينهما بالحقوق المدنية بسبب الجنس.
فإذا كانت العضوية واحدة، ومصدر العضوية واحدا والانتماء واحدا، والواجبات واحدة، والالتزامات واحدة، فكيف تكون الحقوق غير متساوية، والمميزات غير متكافئة، والرجل يصنع مواطناً والمرأة لا تصنع مواطناً ولا تمرر عضويتها لأبنائها؟