على الرغم من خيبة الأمل التي رافقت الإعلان والتطبيق للتعديلات التي أقرها «المشرع» على اللائحة التنفيذية لنظام الجنسية السعودية عام 2005م، لمن كان «يحلم» بالجنسية من المقيمين، خاصة أولئك الذين لهم أبناء وزوجة سعودية، أو من ولد وتربى ولا يعرف وطنًا آخر له غير هذا الوطن، وذلك تبعًا لمقاييس النقاط، التي لم يستفد منها قبل أن تقبع في أحد الأدراج إلا القليل.
تلك اللائحة رغم تعقيداتها ميزت بين أبناء المواطن والمواطنة المتزوجين من غير جنسيتهما، ففي الوقت الذي يحصل أبناء المواطن «الذكر» على جنسية أبيهم، يظل قرار إعطاء أبناء «الأنثى» المواطنة في علم الغيب، وفي الوقت الذي يحصل أبناء ذلك «الذكر» على جنسية أبيهم تظل «أمهم» الأجنبية بإقامة، كتب في مكان مهنتها «زوجة مواطن» وختمت باللون الأحمر بعبارة غير مصرح لها بالعمل، مما يحرمها من حقوقها في العلاج والتعليم والعمل.
ناهيك عن دفع تكاليف الإقامة والتجديد وعدم إعفائها من رسوم الدخول والخروج لوطن أبنائها وزوجها، تلك التكاليف وفي ظل إيقاف المادة 16 من نظام الجنسية الخاصة بالزوجات الأجنبيات، جعل البعض من المواطنين يتحايلون على النظام في تعديل مهنة زوجاتهم الأجنبيات إلى عاملة منزلية، تخيلوا معي: أم بين أبنائها «السعوديين» بمهنة عاملة منزلية!، إضافة إلى أن الرجل السعودي الذي يتزوج من امرأة أجنبية دون الحصول على إذن مسبق من السلطات، سيجد صعوبات كبيرة في توثيق عقد الزواج أو إحضار زوجته وأطفاله إلى السعودية، بالرغم من أن اختيار شريك العمر حق من حقوق الإنسان نفسه لا يحق حسب النظم الإنسانية «لأي كائن من كان» التدخل في الموافقة أو الرفض.
إن إيجاد الحلول السريعة لإشكالية الجنسية خاصة لمن لا مكان لهم غير هذا الوطن – وهم بالتأكيد لا ينطبق عليهم نظام الإقامة المميزة التي شرع مؤخرًا – أمر بالغ الأهمية ولا ينفصل عن جودة الحياة التي تطالب بها «رؤية 2030» ليس فحسب على الإنسان نفسه بل على الأمن الاجتماعي الذي يقع ضمن مفهوم الأمن الوطني، كما أن كسر التفكير في «قدسية» الجنسية والنظر إليها كإحدى الركائز لاستتباب الأمن الاجتماعي لجميع الـ«نسيج» الوطني يعد عاملًا هامًا للحد من انحراف تلك الفئات وإحساسهم بالغضب نحو هذا الوطن.
إن على الدولة – بما تملك من أجهزة وقدرات – التصدي لكل الأخطار، وأن تتبع من الوسائل والأساليب ما يكفل معالجة الاختلالات عن طريق تفعيل أدوات الضبط الاجتماعي وحل تلك القضايا العالقة لرسم صورة المستقبل، إننا بحاجة إلى نظام «أحوال مدنية» و«جنسية» جديد يراعي البعد الإنساني وأثره على الأمن الاجتماعي للوطن، والإيمان بأن الحصول على الجنسية التي تثبت حق المواطنة في الدولة المعاصرة يجب أن يكون بالاستحقاق الطبيعي والقانوني، وليس بالهبة والمنح، خاصة لم لا يملك المال، ومن خلال سلطة القضاء والتشريع لا بسلطة الأشخاص.