المواطنة، حقٌ دائم لكل مواطن ينتمي لأرضه ووطنه، حيًا كان أو ميتًا، ولا يوجد نظام في العالم يُلغي مواطنته بموته.. إلّا أنّنا نجد أن الجهة التي طبّقت قرار مجلس الوزراء الموقر رقم (406) بتاريخ 27/12/1433هـ الذي صدر بالموافقة على بعض الترتيبات الخاصة بأبناء المواطنة السعودية المتزوجة من غير السعودي، إذ بموجبه يُمنح أولادها المقيمون في المملكة الإقامة على كفالة والدتهم، ولها طلب استقدامهم إذا كانوا خارج المملكة من أجل الإقامة معها على كفالتها، بشرط ألا تكون عليهم ملاحظات أمنية، وتتحمَّل الدولة كافة رسوم ونفقات إقامة أولادها، كما سمح القرار لأولادها بالعمل لدى الغير في القطاع الخاص دون اشتراط نقل كفالتهم، إلى جانب معاملة أولادها معاملة السعوديين من حيث الدراسة والعلاج، فضلًا عن احتسابهم ضمن نسبة السعودة في القطاع الخاص، إلا أن الجهة المطبقة لهذا القرار قد قيّدت هذه الامتيازات بحياة الأم، فإذا ما تُوفيْت تُلغى، ويُعاملون معاملة العمالة الوافدة، مع أنّ القرار لم يُقيّد منح هذه الامتيازات بحياة الأم، ولم يُشر إلى هذا، وهذا يعني أنّ هذه الامتيازات ممنوحة لهم مدى حياتهم هم، أمّا عمَّن يكفلهم بعد وفاتها، فمِن حقوق المُوَاطنة عدم تطبيق نظام الكفالة على أولاد المُوَاطِنة غير السعوديين.
والسؤال الذي يُطرح هنا: هل المُوَاطِنة الأم لأولاد غير سعوديين تنتهي مُواطنتها بوفاتها؟.
بل نجد أن أولادها يُفرض عليهم في حياتها دفع رسوم تأشيرات خروج وعودة.. كما نجد عدم التزام بما وضعته الدولة من أنظمة وقوانين تمنح زوج المواطنة الأجنبي حق التوطين في عمله، فالقرار الذي نحنُ بصدده قدَّم العديد من التسهيلات والمزايا لزوج المواطنة غير السعودي، حيثُ سمح له بالعمل في القطاع الخاص، ويُحسَب ضمن العمالة السعودية، ولكن لم يلتزم مطبّقو القرار بتنفيذه، وأخرجوه من نطاق التوطين.
بل نجد بعض موظفي الأحوال المدنية يرفضون رفع معاملات طلبات أولاد السعوديات الأجانب لحصولهم على جنسية أمهاتهم، رغم استيفائهم لجميع شروط ونقاط منحهم الجنسية طبقًا لتعديلات المادة (8) من نظام الجنسية السعودية.
ولستُ أدري لمصلحة مَنْ وضع هذه العقبات أمام أولاد المواطنة السعودية الأجانب؟، فهذا لا يتواءم مع حركة الإصلاح الكبرى التي تشهدها البلاد في عهد خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان، ولا يتواءم مع القرارات التي اتخذها –حفظه الله- مؤخرًا لصالح المرأة السعودية، ولا مع رؤية 2030، ولا ينسجم مع العصر الماسي الذي تعيشه المرأة السعودية الآن، والأم السعودية لأولاد غير سعوديين تُعاني كل هذه المعاناة من أجل أولادها، والقلق يُرافقها طوال حياتها على مصير ومستقبل أولادها بعد وفاتها، وزوجها مُهدَّد بإقالته من عمله في أيةِ لحظة، علمًا أنّ نسبة كبيرة منهم، آباؤهم من مواليد المملكة، ومن المقيمين بها عشرات السنين، ولا يعرفون بلادهم التي يحملون جنسيتها، فلغتهم ولهجتهم وملبسهم وثقافتهم عربية سعودية، أمّا انتماؤهم فلهذا الوطن.
ومع احترامي وتقديري لمجلس الشورى الذي وافق في شهر فبراير الماضي على ملاءمة دراسة مقترحيْن لتعديلات على نظام الجنسية السعودية ومنحها لأبناء السعوديات المتزوجات من أجانب، المقدمين من عدد من أعضاء المجلس السابقين والحاليين استناداً للمادة (23) من نظام المجلس، حيث أيده 63 صوتًا، فنحن لا نعلم ما هو مصير هذه المقترحات بعد دراستها، وإذا قُرِّر التوصية بها، ما مصيرها عند التصويت؟.
فحلًا لهذه الإشكاليات، وتحقيقًا لإدخال الطمأنينة إلى قلب كل أم سعودية على مستقبل أولادها الأجانب، نتمنى قرارًا جريئًا ومُنصفًا للمواطنة السعودية المتزوجة من أجنبي بمنح أولادها غير السعوديين لجنسيتها بدون شروط ولا قيود -طالما تمّ الزواج بموافقة الدولة وإذنها- أسوة بشقيقها الرجل، ومنح زوجها الأجنبي حق العمل، وإدخاله ضمن نظام التوطين.