د. هتون أجواد الفاسي
تعد قضية معاناة المواطنات المتزوجات من غير مواطن في 26 دولة من دول العالم لاسيما العالم العربي والخليج العربي بالتحديد من القضايا المؤرقة للنساء ولأطفالهن عبر عقود الدولة الحديثة والتي بحاجة لتوقف ومراجعة أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
من بين دول جامعة الدول العربية الـ 22، ست دول فقط قضت على هذه المعاناة وساوت بين الجنسين في قانون الجنسية وهي: مصر (2004)، الجزائر(2005)، العراق تغيير جزئي (2006) المغرب (2007)، تونس (2010)، واليمن (2010). وتحفظ الدول العربية بذلك حصة 16 دولة وبنسبة 62 % من دول العالم التي ما زالت تميّز في مواطنة نسائها.
ويدور حول هذا الموضوع عدد من القضايا التي تتصل بمفهوم المواطنة ومواطنة المرأة الكاملة ومفهوم الجنسية في الدولة المدنية الحديثة وسيادتها وصلة ذلك بالزواج والشريعة الإسلامية، وهي قائمة طويلة تستغرق ورقة علمية كاملة، لكن في هذه العجالة سوف أشارككم فقط ببعض الأفكار التي عرضتها في المنتدى الخليجي “واقع المرأة الخليجية المتزوجة من غير مواطن”، وهو منتدى من تنظيم حملة إنصاف أسرة المواطنة الكويتية المكونة من عشر جمعيات نفع عام ومجموعتين تطوعيتين من بينها رابطة الاجتماعيين الكويتية والرابطة الوطنية للأمن الأسري رواسي وجمعية الخريجين، واستضافتها الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية، أقدم الجمعيات النسائية الكويتية ذات الباع الطويل في العمل الثقافي والاجتماعي النسائي وذلك يوم 14 نوفمبر 2017 بالكويت وتحت رعاية وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السيدة هند الصبيح، وقد كانت الفرصة سانحة لتبادل الخبرات مع الدول الخليجية الست وما بينها من تشابهات وافتراقات، ممثلين في د. وجيهة البحارنة من البحرين، د. عبدالحميد الأنصاري من قطر، د. فاطمة الحويل من الكويت، د. فاطمة اللواتي من عمان، ود. جاسم ميرزا من الإمارات، وقدمتُ أنا الورقة الخاصة بالسعودية وبأوضاع أبناء المواطنات.
وكما نعلم أو لا يعلم الكثيرون أن مسألة الجنسية والهوية مسألة تتصل بالتاريخ الأوروبي الحديث الذي اخترع الدولة القومية ومتطلباتها بما يتناسب مع التطور السياسي للقارة الأوروبية بالتحديد والتي مرت بالكثير من التحولات ما بين الدولة الدينية المتوسعة ثم المستعمرة إلى الدولة القومية المدنية المقيدة في حدودها والتي تلتزم بقوانين دولية. وقد أصبح هذا النموذج جزءاً من النظام العالمي، واخترعت له بطاقة الهوية والجنسية لتميز منسوبي وتابعي وأعضاء كل دولة من غيرهم بما يتبع ذلك من حقوق وواجبات على الطرفين، أي أن أمر الجنسية لا صلة له بالنسب والدم بأي شكل من الأشكال ولا بالدين الإسلامي، وهو الخلط الذي يقع فيه الكثيرون لتبرير حرمان المرأة من حقها في منح أبنائها جنسيتها مثل ما يفعل مواطنها الرجل. ناهيك عن أن الدول المخترعة لهذه الآلية التحديدية للحقوق والواجبات رأت حديثاً أن من يولد على أرضها له الحق في هذه الدولة كما أن من يولد لأب أو أم من هذه الدولة فإنه يكتسب هذا الحق تلقائياً.
ونأمل أن تحصل المرأة الخليجية على هذا الحق أيضاً في عصر حقوقنا الجديد وننهي به عقوداً من المعاناة المعيقة وغير المبررة.