الأحساء – محمد الرويشد
تناولت الدراما السعودية زواج السعوديين والسعوديات من أجانب بـ «كوميديا ساخرة»، تندرج تحت عنوان «المضحك المبكي». وإن كانت كمية الكوميديا فيها طاغية؛ إلا أنها حقيقة لا يمكن إغفالها، وموجودة في حياة العائلات «مختلطي الجنسية»، ولم تقدم معظم الأعمال حلاً، بل مجرد طرح عام للمشكلة.
وتعدّ حلقة «أبناء صفية» من مسلسل «كلام الناس» الذي عُرض في شهر رمضان الماضي، الأبرز في هذا المجال، لمقارنتها بين مشكلتين تسيران في جدول واحد، فزواج السعودي من أجنبية لا تنتج منه المعاناة ذاتها، حين ترتبط أخته السعودية بأجنبي. ونجح الكاتب في وضع المُشاهد أمام مفارقة غريبة. أظهرت السلبيات التي تواجه أبناء السعوديات المتزوجات من أجانب. بينما هي أقل لأبناء السعوديين المتزوجين من أجنبيات.
ولعب الفنان حسن عسيري دور الأخ المتزوج من أجنبية. بينما أخته متزوجة من مواطن مصري. ونجح الكاتب في عقد صراع درامي أظهر خلاله تساؤلاً كبيراً: «لماذا يُمنح أبناء الرجل السعودي المتزوج بغير سعودية جنسية أبيهم والحقوق كاملة، بوصفهم سعوديين، بينما العكس مقروناً بمعاناة؟». وقدمت الحلقة قصصاً حول زوجة السعودي التي تنال حقوقها الكاملة بعد حصولها على الجنسية، باعتبارها «زوجة سعودي»، فيما تندب المواطنة السعودية حظها ومعاناتها مع التعليم والصحة والتوظيف، على رغم وجود تعليمات رسمية بمعاملتهن معاملة المواطنين، ليكون الحل في النهاية بأن يرحل الأب والأطفال السعوديون، وتغادر الأم موطنها مرغمة باكية.
ويحمل الشاب محمد علي لقب «ابن المصري»، الذي يسبب له «ألماً»، وبخاصة حين كان ينادى به في المدرسة، مع أنها حقيقة يؤكد أنها تشرفه ولا تعيبه، إلا أنها كانت في حقبة زمنية مادة للتفكّه والتندر عليه، وعلى رغم أن والدته سعودية، إلا أن هذا لم يشفع له ليعيش حياة طبيعية، من دون أن يلاحق بجنسية أبيه. وعلى رغم تفوقه الدراسي؛ أصيب في إحدى الفترات بانتكاسة نفسية جعلت منه «عدوانياً ومتهجماً». وأثر ذلك في تحصيله الدراسي. ويواجه أبناء الآباء غير السعوديين موجة من المضايقات، خصوصاً على مقاعد الدراسة، ليصبح الاعتداء عليهم جسدياً ومعنوياً أمراً متكرراً، ودائماً ما تلحق جنسية أحد الأبوين بالابن لتكون لقبه الذي يلازمه لزمن بعيد. ويشكل النمط القبلي في الحياة الاجتماعية المحلية رافداً لتقوية هذه النعرة، حتى أصاب هؤلاء الأبناء بآثار نفسية حادة.
ويقول محمد: «تبدأ المضايقات بإطلاق النكات والفكاهة عليّ وعلى والدي وجنسيته، وتتطور لسرقة الأكل والأقلام، فضلاً عن الاعتداء بالضرب والشتم، حتى أصبحت هذه التصرفات أمراً جعلني أشعر بالكره للمدرسة والمجتمع، وسرعان ما تغيّرت الأمور نحو الأفضل مع مرور السنين»، مضيفاً: «أشفق على أبناء السعوديات المتزوجات من أجانب، فمعاناتهم لا تتوقف عند مقاعد الدراسة، بل تتعداها لتصل إلى مرافق الدولة المختلفة، من تعليم وصحة ودراسات عليا وتوظيف».
ويرى مراقبون قرار مجلس الوزراء الأخير، الذي سجلت الزوجة الأجنبية السبق فيه على الزوج الأجنبي، «حماية للأطفال السعوديين، وأن الأم يمكن أن تكون أرملة أو مطلقة، وحماية للأطفال منحت هذه الامتيازات». وعلى رغم أن هذا القرار أفرح الكثيرين، إلا أنه أحزن السعوديات المتزوجات من غير أبناء جلدتهن، في انتظار أن يتحقق حلم «التساوي مع الرجال في هذا الامتياز».
وتقول منال محمد، وهي فتاة سعودية متزوجة من أجنبي: «لديّ طفلة كلما نظرت إليها زدت خوفاً وقلقاً عليها، فهي غير سعودية، على رغم أن ميلادها في هذا الوطن، وأمها مواطنة لها كامل حقوقها، إلا أن والدها من بلد عربي، وتساؤلاتي التي تؤرقني: ماذا لو فارقتُ الحياة؛ أين ستذهب ابنتي؟ ولماذا ننتظر حتى تبلغ سن الـ18، حتى نحتفل بحصولها على الجنسية؟ إنه مستقبل مقلق جداً».
وتضيف منال: «لا أعرف لماذا يضاف الأبناء إلى الأب فقط وكأن الأم لم يكن لها أي دور سوى أنها حملت وأنجبت فقط. وعلى رغم فرحنا للأمهات الأجنبيات بالقرار الجديد إلا أننا نرجو أن يشملنا أيضاً، لكوننا المتضررات الأكثر في هذه المعادلة، وكثيرات انفصلن عن أزواجهن لأسباب كثيرة، وكان مصير الأبناء أن يغادروا إلى وطن آخر غير الذي ولدوا وعاشوا فيه، فهم في الأصل سعوديون، فلماذا لا يمنحون الجنسية منذ ولادتهم، وحين يكبرون يخيّرون بينها وبين جنسية الأب، ويكون القرار لهم حينها؟».
وتقول معصومة ناصر: «غالبية السعوديات المتزوجات من أجانب لسن صغيرات، بل من فئة العوانس. وحين يطرق الرجل الأجنبي بابهن طالباً الارتباط على سنة الله ورسوله يوافقن، ولا يجب النظر إليهن على أنهن ارتكبن جرماً. فهل يريد المجتمع أن يبقين في بيوتهن حتى الموت من دون زواج؟». وتضيف: «كثيرات أعرفهن ممن ارتبطن بأجانب ينصحن اللاتي يفكرن في الارتباط بأن يؤخرن فكرة الحمل والإنجاب، لأن معاناة الارتباط لا تقاس بمعاناة الأطفال الذين سيكونون مؤرجحين بين جنسيتي الأب والأم. وإلى حين بلوغهم السن القانونية ربما تحدث تطورات وقرارات تؤخر إلحاقهم بجنسية الأم، لذا الحل هو عدم الإنجاب، وإن كان حلاً يعده البعض حراماً، لكن العيش يوماً واحداً مع من يعانون يؤكد أنه حل منطقي».