ما إن صدرت موافقة الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية، على تعديل مادتين من مواد اللائحة التنفيذية لنظام الجنسية السعودية بتعديل مادة خاصة بالمولودين في المملكة لأب أجنبي وأم سعودية، وفقرة خاصة بمنح الجنسية للمرأة الأجنبية المتزوجة من سعودي، حتى استبشر الكثيرون خيرًا في هذه القرارات التي أسعدتهم؛ لأنها ستزيل الكثير من الصعوبات التي واجهت الكثيرين، سواء من الناحية الاجتماعية، أو على مستوى الحياة اليومية.
عن معاناة زوجات السعوديين من جنسيات أخرى تلخص الزوجة «السعودية حاليًا» والفلسطينية سابقًا أم سعيد، إبتسام عبدالقادر محمد، المتزوجة من رجل سعودي صالح ومخلص ومحب لأبنائه، والذي عمل جاهدًا منذ زواجه بها لاستخراج تصاريح الجنسية لزوجته وأم أبنائه الخمسة، فقد عانت سلفًا من عدة سلبيات في أكثر من اتجاه قبل أن تحصل على الجنسية السعودية، وذلك في مجالي الصحة والتعليم.
فوائد جمة
وتروي إبتسام لـ«سيدتي» معاناتها قبل حصولها على الجنسية قائلة: «قبل حصولي على الجنسية لم يكن في وسعي أن أحظى بالتعليم المناسب الذي أطمح إليه في جامعة حكومية بالمجان، فتكاليف التعليم سترهق أسرتي ووالدي وإخوتي الخمسة، وبعد زواجي استطعت الانتساب لجامعة الملك عبدالعزيز، والحصول على الشهادة الجامعية، لكن زوجي لم يسمح لي بالسفر؛ للحصول على وظيفة في إحدى القرى التي تبعد عن مدينة جدة 200 كيلومتر، وقد لجأت إلى التقديم في «حافز»، وهي أيضًا فرصة لا تعوض بما أني أحمل الجنسية السعودية، ولا أعمل ولديّ من المصاريف التي لا يستطيع زوجي تحملها في الوقت الحالي مع غلاء الأسعار».
وتضيف: «أما بالنسبة للأمور الصحية فقبل أن أحصل على الجنسية عانيت الأمرّين في الذهاب إلى المستشفيات الخاصة التي قصمت ظهورنا لارتفاع فواتيرها شهريًا من أجلي، أو من أجل أحد أفراد أسرتي، وبعد حصولي على الجنسية استطعت أن أحظى بدخول المستشفيات الحكومية بكل سهولة، والتخفيف من معاناة تكاليف القطاع الخاص».
العائلة بالكامل
وتشير إبتسام إلى أنّ حصولها على الجنسية السعودية لم تفدها هي وأبناؤها وحدهم، حيث قالت: «استطعت أن أقدم لوالدي الذي بلغ الثمانين من عمره العون اللازم باستصدار بطاقة علاج حكومي، ففي القطاع الصحي من حقي كمواطنة سعودية أن يُقدم العون الصحي لوالديّ، حتى لو كانا يحملان جنسية غير سعودية، وبعد أن تم الاستغناء عن خدمات الوالد الوظيفية قدمت طلبًا لكفالته، وأصبح في أمان تحت كفالتي حاليًا، وأحمد الله العلي العظيم لحصولي على الجنسية؛ خوفًا على أهلي وأولادي الخمسة الذين ينعمون بكل ما يحتاجون إليه».
ردود أفعال
وعن رد فعل الشارع السعودي تجاه قرار تعديل المادتين الخاصتين بتجنيس الزوجة غير السعودية، وأبناء السعودية المتزوجة من غير السعودي، اعتبر أستاذ الكيمياء المشارك بجامعة أم القرى، ومستشار الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة الدكتور فهد عبدالكريم تركستاني، القرار من أهم القرارات التي صدرت بحق أبناء عاشوا في هذا البلد، والكثير منهم رغم أنّ آباءهم غير سعوديين لا يعرفون موطن آبائهم الأصلي أبدًا، ويعتبرون في حكم الأجانب بالنسبة لجنسيات آبائهم.
وقال تركستاني لـ«سيدتي»: «أعرف الكثير من الأبناء الذي يجدون صعوبات جمة في حياتهم، ويعاملون بجنسية آبائهم بالبحث عن كفلاء لهم، أو لو طلَّق الأب الأم، وتخلى عن رعاية الأبناء فتصبح الحياة بالنسبة لهم جحيمًا في تعليمهم، توظيفهم، وفي إقامتهم حتى في تكوين حياة لهم داخل البلد، خصوصًا الذكور في مسألة زواجهم من سعودية، فالكثير من العوائل يرفضون أن يزوجوا بناتهم لرجل يعتبر في نظرهم أجنبيًا، برغم أنّ هذا الرجل ولد هنا على أرض السعودية؛ خوفًا على أبنائهم، لكن بهذا القرار الحكيم والرائع سيفتح لهؤلاء حياة جديدة فيها الاستقرار والتعليم، وأيضًا النماء للوطن؛ حيث سيعتبر سعوديًا انتماءً لوالدته السعودية من ولادة وترعرع؛ فهو لا يعرف بلد أبيه إلا بالاسم».
الانتماء ثقافة
يؤكد الشاعر صالح الشادي أنه مع هذه القرارات، ومع ضم كل من تربى وترعرع على هذه الأرض، فالانتماء ثقافة، وليس جذورًا، فكلنا لآدم، وآدم من تراب هذه الأرض.
وعن معايشة الشادي لتجارب صعوبات أبناء السعوديات من آباء غير سعوديين أوضح أنه سمع عن مشاكل كثيرة لهؤلاء، لكنه لم يعايش تجربة بعينها، وإن كان يجزم أنّ من تربى وترعرع في حضن بلد ما لا يستطيع التعايش أو الانتماء إلى بلد آخر، فمبدأ الولاء ثقافي وتربوي بالدرجة الأولى.
وقال الأستاذ في جامعة الملك سعود، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، عضو رابطة علماء الشريعة محمد بن عبدالرحمن العريفي في صفحة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر: «إنّ هؤلاء أصبحوا بحكم السعوديين كونهم من مواليد هذا البلد، فقد تربوا وتعلموا منذ صغرهم في مدارسه، وقد انخرطوا مع أقرانهم من السعوديين، وتأثروا بمجتمعهم، فأصبحوا يتقيدون بعادات وتقاليد وثقافة هذا البلد، ما جعلهم يجيدون اللهجة السعودية، غير ذلك من ولائهم وحبهم لهذا البلد وحكامه».
وقال في صفحته: «رب لك الحمد، «فُرجت» لغير السعوديين المولودين من أمهات سعوديات، فيا رب وفّق خادم الحرمين ليمنح الجنسية أيضًا لمواليد السعودية المتميزين منهم».
وأضاف: «مواليد السعودية سعوديون بلهجتهم، ثقافتهم، عاداتهم، دراستهم، ولاؤهم وحبهم، منهم متميزون لا يجوز أن نخسرهم وتربحهم بريطانيا وكندا، فأرجوك يا مليكنا…».
تعديل إيجابي
يقول الإعلامي السعودي عمر الزبيدي: «التعديل في القرارات إيجابي، لكننا لا نزال نطمح إلى المزيد؛ لأنه يجعل هناك حواجز اجتماعية غير منطقية تثقل على أسر بأكملها، فمن غير المنطقي أن تعامل أم لخمسة أبناء مقيمة في السعودية منذ عقدين على أنها غير مستحقة للجنسية، خصوصًا مع وجود ما يثبت استمرار هذه الأسرة، وضمان تكوين أسرة مع وجود أبناء، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الأبناء لا يشعرون بكامل الاستقرار مع وجود أحد والديهما يحمل جنسية لدولة أخرى مع ما يعانيه من متاعب على اعتبار أنه وافد».
وأضاف الزبيدي لـ«سيدتي»: «من غير المنطقي حرمان الأسر من الاستقرار على أساس حرمان أحد الوالدين من الحصول على الجنسية».
وأوضح المتحدث الرسمي للأحوال المدنية محمد الجاسر أنّ التعديلات الجديدة على اللائحة التنفيذية لنظام الجنسية السعودية اشتملت على تعديل المادة «7» من اللائحة التنفيذية التي تتعلق بالمادة «8» من نظام الجنسية السعودية الخاصة بالمولودين في المملكة لأب أجنبي وأم سعودية، وتعديل الفقرة «6» من المادة «21» من اللائحة التنفيذية التي تتعلق بالمادة «16» من نظام الجنسية الخاصة بمنح الجنسية العربية السعودية للمرأة الأجنبية المتزوجة من سعودي.
وقال الجاسر: «إنّ التعديلات نشرت في الجرائد الرسمية يوم الجمعة 13 يناير 2012، وتم إبلاغ فروع الأحوال المدنية بمناطق المملكة للعمل بالتعديلات الجديدة».