إبراهيم علي نسيب
أحزن جدًا حين أرى بعض الرجال الرائعين جداً؛ والحاصلين على شهادات علمية عالية، يتحدثون بلهجتك، يعيشون تفاصيل حياتك، ويلبسون ثيابك وعمامتك وعقالك، ويتعاملون مع الآخر من خلال عادات وتقاليد المجتمع السعودي، وتستغرب حين تكتشف بالصدفة عن أن فلان هو مقيم يحمل هوية وطنه.
مثل هؤلاء أعرف الكثير الذين وُلدوا هنا، وقبّلوا الأرض وعانقوها في الهبوط الأول، وظلّوا يمشون على الثرى مثلك مثلهم، بل ربما يعيش بعضهم حياة أرقى من حياتك وأكثر رفاهية منك، مثل هؤلاء تصدمهم الظروف أحياناً، وتُفرض عليهم بعض قوانين يضطرون بعدها للعودة إلى أوطانهم غرباء، من حكايات بعضهم أن أطفالهم تعبوا كثيراً في التعايش مع الظروف الجديدة، لدرجة أنهم رفضوا يستسيغون طعم الكوكاكولا التي يرون أنها هنا أطعم بكثير من تلك التي تصنعها بلدانهم، وما أظن هناك فارق سوى الحالة النفسية وظروف التغيير؛ هي التي غيّرت في أجسادهم كل مكونات الطعم.
أعتقد أن مثل هؤلاء يفترض أن يعاملوا معاملة مختلفة ومميزة في نظام التجنس، بعكس أولئك الذين يحصلون على الجنسية وهم لا يستحقونها أبداً، لكنها الظروف أحيانا تخدم بيدها من تُحب وترمي بمن تكره في أتون الجحيم، ولأن القضية هي قضية إنسانية، فإني أتمنى أن تعي الأنظمة أن الأرض التي تهبط من الظلام إليها هي أرضك التي تحملها معك، ويبقى مكان ولادتك في سجل حياتك يُرافقك للأبد، ولكي لا تكون هناك متاعب لأناس يليقون بالتقدير، هذه هي بداية البداية لا أكثر…!!!
تلك كانت بداية آملة في قرار حاسم، أما الثانية فهي أيضاً قضية لأنها صنعت متاعب كثيرة للوطن ومواطنيه؛ من أولئك الذين يحضرون إلى هنا بهدف الخروج على النظام، فتجد القادم للعمرة يعمل وكأن البلد بلده، ويمارس كل حقوقه، وحين يرغب في السفر تودعه الأنظمة بالدعاء له بالسلامة، ذكراً كان أو أنثى.. أو يهرب القادم للعمل من مكانه إلى الشارع، ليعمل بعقد هو من يكتبه ويُؤسِّس بنوده، لدرجة أن الحكاية أصبحت فوضى واستغلال وقرف، وللعلم فإن هناك عصابات تدير أمورهم كـ(الخادمات) مثلاً، لهم ريّس هو الذي يوزعهم ويتفاوض بالإنابة عنهم، ويقبض رواتبهم مقابل مبالغ معلومة، وفي النهاية حين تنتهي الرحلة؛ يحملون حقائبهم وهم في قمة السعادة، تاركين التعب لي ولك وللوطن، والسبب هو عدم وجود أنظمة رادعة تفرض على الجميع احترامها بقوة.
وهي حكاية لا تختلف عن أولئك الذين جاءوا إلى هنا، وأنجبوا وملأوا مدارسنا في كل المراحل، وحين تسأل عن عمل الوالد؛ تجده يعمل بوظيفة غسال -مثلاً-، وهي وظيفة نحن لا نحتاجها أصلاً، وبكل أمانة فجعتني دفاتر زوجتي -التي تعمل معلمة- حين قالت لي: إن نسبة السعوديات في هذه المتوسطة -التي تعمل بها- لا تزيد عن 8%، فهل هناك عبئاً أكبر من أن تنفق الدولة اقتصاداً كبيراً على عمالة ليست مطلوبة، والباقي كثير، لأنتهي بأن هناك ضرورة ملحة لإعادة دراسة بعض الأنظمة، والاستفادة من عقول الوطن، لكي لا يبقى الخطأ سمة، وتبقى السذاجة الصفة السائدة فينا…!!!
(خاتمة الهمزة).. نرجو أن تنتهي تلك القضايا والمهمات بنظام يضبط العدسة.. وهي خاتمتي ودمتم!!..
اشكركم على هذا الموقع…
جزاكم الله خيرا..